"الشعر يرسم معالم وأشكال ممكنة من الحوار بين الثقافات، وضروب التأريخ ومخزون الذاكرة وإن الحرص على تعزيز هذه الأشكال من التبادل والتناقل والحفاظ عليها لجدير بأن يكون الغاية التي يسعى هذا اليوم العالمي إلى بلوغها. وإني لأتمنى أن يتيح هذا اليوم المكرّس لخدمة تنوعنا الإبداعي إنعاش وتجديد قدرة كل فرد فينا على استيعاب التعددية الثقافية للعالم".
كانت هذه رسالة السيدة ماتسورا، مدير عام اليونسكو في رسالتها بيوم الشعر العالمي، والذي يأتي في الواحد والعشرين من مارس من كل عام، كأنه مقدمة الفصول كلها، وسيد الربيع وتفتح الأزهار. يأتي يوم الشعر في هذا التاريخ كالأم التي تقدم الغالي والنفيس للنهوض بالمجتمع من خلال أسرتها ومجتمعها، وكأن الشعر عيد ربيع وعيد أم لكل بحور الأدب.
فالشعر الذي يمثل الحافز الأكثر رسوخاً في الذاكرة العربية للعودة لمنابع العاطفة والوجدان كما الكاتبة هدى صالح. هو من جاء وسط غابات الحديد والفولاذ وإيقاع العصر الضاغط، فتأتي الاحتفالية بيوم الشعر العالمي لتنفض التراب عن الحاجة للاعتناء بالجانب النفسي والعاطفي في الحياة العامة. لذلك فإننا بحاجة للاستفادة من هذا اليوم ونشر صوت الأدب المغمس بمعاناة وويلات الحصار في قطاع غزة، وجرائم المحتل في فلسطين لتكون رسالة واضحة بأن هوى فلسطين وأريجها حكاية وقصيدة لن يمحها الزمان، وإن طال، فبه ترتفع عزائم الرجال، وترفع إيقاع الجهاد والمقاومة وكأنه رسالتنا التي تقول: معاً لثقافة المقاومة الوطنية وشعر المقاومة.
في يوم الشعر، والذي تم اعتماده أثناء الدورة الثلاثين لليونيسكو عام 1999 بباريس، نشعل شمعة جديدة تزيده وهجاً لتقول بأن ذلك الأدب الفريد، الذي أسس له أجدادنا العرب ثم انتشر بكل الربوع، يحمل الإنسانية هماً كوسيلة خالدة ومتوارثة عبر كل العصور واللغات والثقافات للاتصال مع الوجود، فهذا عنترة وامرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى والخنساء وحسان بن ثابت وصولاً إلى سركون بولص والبياتي والجوهري وأمل دنقل ونزار قباني ومحمود درويش وسميح القاسم وأدونيس إلى قاسم حداد وشعراء الحداثة وغيرهم دون توقف أو ركون. والصوت ما يزال يطرب الآذان. وقد راق لي أحد الشعراء وهو يقول: "أيها الشعر وكلنا فيك سكبنا مشاعرنا/ وأنت بوحنا وصبرنا وحلمنا/ أنت نحن والحياة فيك واحة نستظل بها من وعثاء الحقيقة، ووعورة الطريق/ أيها الشعر وأنت جار القلب/ ونور العين/ ومسرى الروح، كن حارساً للغة/ وأميناً على الحياة/ ودافعاً لنجد ذواتنا ونسمو بإنسانيتنا ونرقى بوجودنا.
ولذلك، فإن رسالتنا للزملاء والأصدقاء والشباب جميعاً العودة إلى أحضان الشعر ونظمه، فهو اللغة الرفيعة التي تلامس شغاف القلوب، ومجتمعنا الفلسطيني تحديداً بحاجة لقلوب تبحث عن قضاياها وعن الوطن الضائع بيد المحتل. هو الشعر الذي يدعو كل حر للوقوف إلى جانب الحق وأهله ونصرتهم. وهو الشعر الذي تشدّ به العزائم للصمود بوجه تحنيط الضمائر، لتهبّ الشعوب بنضال متواصل لانتزاع الحقوق التي يتجاهلها الطغاة والمستبدين والاحتلال وأعوانه الغاصبين.
في يوم الشعر.. كل عام وأنتم بأحلى قصيدة.